فصل: النَّوْعُ (الثَّانِي) مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي (الْمُحْصَرُ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(بَابُ الْفِدْيَةِ):

مَصْدَرُ فَدَاهُ يُقَالُ: فَدَاهُ وَأَفْدَاهُ: أَعْطَى فِدَاءَهُ وَيُقَالُ فَدَاهُ إذَا قَالَ لَهُ: جُعِلْتَ فِدَاكَ وَالْفِدْيَةُ وَالْفِدَاءُ وَالْفِدَى بِمَعْنَى، إذَا كُسِرَ أَوَّلُهُ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ وَإِذَا فُتِحَ أَوَّلُهُ قُصِرَ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ عَنْ يَعْقُوبَ فِدَاءَكَ مَمْدُودًا مَهْمُوزًا مُثَلَّثَ الْفَاءِ (وَهِيَ مَا) أَيْ: دَمٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ طَعَامٌ (يَجِبُ بِسَبَبِ نُسُكٍ) كَدَمِ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ وَمَا وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ إحْصَارٍ أَوْ لِفِعْلِ مَحْظُورٍ (أَوْ) تَجِبُ بِسَبَبِ (حَرَمٍ) مَكِّيٍّ كَالْوَاجِبِ فِي صَيْدِهِ وَنَبَاتِهِ (وَلَهُ تَقْدِيمُهَا) أَيْ: الْفِدْيَةِ (عَلَى الْفِعْلِ الْمَحْظُورِ) إذَا احْتَاجَ إلَى فِعْلِهِ (لِعُذْرٍ كَ) أَنْ يَحْتَاجَ إلَى (حَلْقٍ وَلُبْسٍ وَتَطَيُّبٍ) أَوْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ صَيْدٍ (بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ) أَيْ: الْعُذْرِ (الْمُبِيحِ) لِفِعْلِ الْمَحْظُورِ فِعْلُهُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ (كَكَفَّارَةِ يَمِينٍ) لَهُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحِنْثِ بَعْدَ عَقْدِ الْيَمِينِ وَكَتَعْجِيلِ الزَّكَاة لِحَوْلٍ أَوْ حَوْلَيْنِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ الزَّكَوِيِّ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ.
(وَهِيَ) أَيْ: الْفِدْيَةُ (عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ) لَكِنَّهَا فِي التَّحْقِيقِ ضَرْبَانِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ:

.(أَحَدُهَا) مَا يَجِبُ (عَلَى التَّخْيِيرِ):

(وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: يُخَيَّرُ فِيهِ) الْمُخْرِجُ (بَيْنَ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ بُرٍّ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ شَعِيرٍ) كَفِطْرَةٍ (أَوْ ذَبْحِ شَاةٍ فَلَا يُجْزِئُ الْخُبْزُ) كَالْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ الْإِجْزَاءَ) أَيْ: إجْزَاءَ الْخُبْزِ كَاخْتِيَارِهِ فِي الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ.
(وَيَكُونُ الْخُبْزُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ) بِنَاءً عَلَى إجْزَائِهِ (رَطْلَيْنِ عِرَاقِيَّةً) كَمَا قِيلَ فِي الْكَفَّارَةِ (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ) مَا يُخْرِجُهُ (بِأُدْمٍ) لِيَكْفِيَ الْمَسَاكِينَ الْمُؤْنَةَ عَلَى قِيَاسِ الْكَفَّارَةِ.
(وَ) إخْرَاجُ الْفِدْيَةِ (مِمَّا يَأْكُلُ أَفْضَلَ مِنْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ) وَغَيْرِهِمَا كَالْكَفَّارَةِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ.
لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} (وَهِيَ) أَيْ: الْفِدْيَةُ الَّتِي يُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ مَا ذُكِرَ (فِدْيَةُ حَلْقِ الشَّعْرِ) أَيْ: أَكْثَرَ مِنْ شَعْرَتَيْنِ (وَتَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ) أَيْ: أَكْثَرَ مِنْ ظُفْرَيْنِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الشَّعْرَتَيْنِ وَالظُّفْرَيْنِ وَمَا دُونِهِمَا (وَ) فِدْيَةُ (تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ) مِنْ الذَّكَرِ أَوْ الْوَجْهِ مِنْ الْمَرْأَةِ.
(وَ) فِدْيَةُ (اللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ وَلَوْ حَلَقَ وَنَحْوَهُ) بِأَنْ قَلَّمَ أَوْ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ (لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ «لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْلِقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ أَنْسِكْ شَاةً»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ «أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ تَمْرٍ» فَدَلَّتْ الْآيَةُ وَالْخَبَرُ عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى صِفَةِ التَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَدْلُولٌ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَقِيسَ عَلَيْهِ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَاللُّبْسُ، وَالطِّيبُ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ فِي الْإِحْرَامِ لِأَجْلِ التَّرَفُّهِ فَأَشْبَهَ حَلْقَ الرَّأْسِ وَثَبَتَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ تَبَعًا لَهُ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ ثَبَتَ التَّخْيِيرُ فِيهَا مَعَ الْعُذْرِ ثَبَتَ مَعَ عَدَمِهِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ لِجَوَازِ الْحَلْقِ لَا لِلتَّخْيِيرِ وَالْحَدِيثُ ذُكِرَ فِيهِ التَّمْرَ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ الزَّبِيبُ وَقِيسَ عَلَيْهَا الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالْأَقِطُ، كَالْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ.
(النَّوْعُ الثَّانِي) مِنْ الضَّرْبِ الَّذِي عَلَى التَّخْيِيرِ (جَزَاءُ الصَّيْدِ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ) إخْرَاجِ (الْمِثْلِ فَإِنْ اخْتَارَهُ ذَبَحَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ حَيًّا)؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى سَمَّاهُ هَدْيًا وَالْهَدْيُ يَجِبُ ذَبْحُهُ (وَلَهُ ذَبْحُهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ فَلَا يَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ)؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ مُطْلَقٌ (أَوْ تَقْوِيمِ الْمِثْلِ بِدَرَاهِمَ) وَيَكُونُ التَّقْوِيمُ (بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أَتْلَفَهُ) أَيْ: الصَّيْدَ (فِيهِ وَبِقُرْبِهِ) أَيْ: قُرْبَ مَحَلِّ تَلَفِ الصَّيْدِ نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٌّ (لِيَشْتَرِيَ بِهَا) أَيْ: الدَّرَاهِمِ (طَعَامًا يَجْزِي فِي الْفِطْرَةِ) كَوَاجِبٍ فِي فِدْيَةِ أَذًى وَكَفَّارَةٍ.
(وَإِنْ أَحَبَّ أَخْرَجَ مِنْ طَعَامٍ) مُجْزِئٍ (يَمْلِكُهُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ) مُتَحَرِّيًا الْعَدْلَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الشِّرَاءِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ فِي الْآيَةِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا.
(فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ) مِنْ مَسَاكِينِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ لَهُمْ (مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُدِّ وَالصَّاعِ فِي الْغُسْلِ (أَوْ يَصُومُ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} فَعَطَفَ بِأَوْ وَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ بَقِيَ) مِنْ الطَّعَامِ (مَا لَا يَعْدِلُ يَوْمًا) بِأَنْ كَانَ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ (صَامَ يَوْمًا) كَامِلًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ.
(وَلَا يَجِبُ التَّتَابُعُ فِي هَذَا الصَّوْمِ) لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَالْأَمْرُ بِهِ مُطْلَقٌ فَتَنَاوَلَ الْحَالَيْنِ.
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ عَنْ بَعْضِ الْجَزَاءِ وَيُطْعِمَ عَنْ بَعْضِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ يَجُزْ فِيهَا ذَلِكَ كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ (وَإِنْ كَانَ) الصَّيْدُ (مِمَّا لَا مَثِيلَ لَهُ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا) يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ وَإِنْ أَحَبَّ أَخْرَجَ مِنْ طَعَامٍ يَمْلِكُهُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَيُطْعِمُهُ لِلْمَسَاكِينِ) كُلُّ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ.
(وَبَيْنَ أَنْ يَصُومَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا) لِتَعَذُّرِ الْمِثْلِ فَيُخَيَّرُ فِيمَا عَدَاهُ.

.(فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّانِي) مِنْ أَضْرُبِ الْفِدْيَةِ: (عَلَى التَّرْتِيبِ):

(وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا):

.(دَمُ مُتْعَةٍ وَقِرَانٍ):

(فَيَجِبُ الْهَدْيُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} وَقِيسَ الْقَارِنُ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(فَإِنْ عَدِمَهُ) أَيْ: عَدِمَ الْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ الْهَدْيَ (مَوْضِعَهُ أَوْ وَجَدَهُ) يُبَاعُ (وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ إلَّا فِي بَلَدِهِ فَصِيَامُ ثَلَاثَةٍ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) قِيلَ مَعْنَاهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: فِي وَقْتِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ أَفْعَالٌ لَا يُصَامُ فِيهَا وَإِنَّمَا يُصَامُ فِي أَشْهُرِهَا أَوْ وَقْتِهَا وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} أَيْ: فِي أَشْهُرٍ.
(وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْتَرِضَ) ثَمَنَ الْهَدْيِ (وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ)؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ إعْسَارِهِ (وَيَعْمَلُ بِظَنِّهِ فِي عَجْزِهِ) عَنْ الْهَدْيِ (فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُعْسِرِ اسْتِمْرَارُ إعْسَارِهِ فَلِهَذَا جَازَ) لِلْمُعْسِرِ (الِانْتِقَالُ إلَى الصَّوْمِ قَبْلَ زَمَانِ الْوُجُوبِ) أَيْ: وُجُوبِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ.
(وَالْأَفْضَلُ: أَنْ يَكُونَ آخِرُ الثَّلَاثَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ) نَصَّ عَلَيْهِ (فَيَصُومَهُ) أَيْ: يَوْمَ عَرَفَةَ هُنَا اسْتِحْبَابًا (لِلْحَاجَةِ) إلَى صَوْمِهِ.
(وَيُقَدِّمُ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ فَيَكُونُ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ) ذِي (الْحِجَّةِ مُحْرِمًا) فَيُحْرِمُ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِهِ (وَهُوَ أَوَّلُهَا) لِيَصُومَهَا كُلَّهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ.
(وَلَهُ تَقْدِيمُهَا) أَيْ: الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ (قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ بَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ) لَا قَبْلَهُ وَأَنْ يَصُومَهَا فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ أَحَدُ إحْرَامِي التَّمَتُّعِ فَجَازَ الصَّوْمُ فِيهِ وَبَعْدَهُ كَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ؛ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْوَاجِبِ عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهِ إذَا وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَهُوَ هُنَا إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ بَعْدَ الْيَمِينِ وَ(لَا) يَجُوزُ تَقْدِيمُ صَوْمِهَا (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لِعَدَمِ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ كَتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْيَمِينِ (وَوَقْتُ وُجُوبِ صَوْمِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ: وَقْتُ وُجُوبِ الْهَدْيِ) وَهُوَ طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ.
(وَتَقَدَّمَ) وَقْتُ وُجُوبِهِ (وَ) صِيَامُ (سَبْعَةِ) أَيَّامٍ (إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}.
(وَلَا يَصِحُّ صَوْمُهَا) أَيْ: السَّبْعَةِ (بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهُ) قَالُوا:؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إذَا رَجَعْتُمْ} يَعْنِي مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ (وَلَا) يَصِحُّ صَوْمُهَا (فِي أَيَّامِ مِنًى لِبَقَاءِ أَعْمَالٍ مِنْ الْحَجِّ كَرَمْيِ الْجِمَارِ وَلَا) يَصِحُّ صَوْمُ السَّبْعَةِ (بَعْدَهَا) أَيْ: بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى (قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ)؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ قُلْتُ وَكَذَا بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ السَّعْيِ.
(وَ) إنْ صَامَ السَّبْعَةَ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الطَّوَافِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: وَالسَّعْيُ (يَصِحُّ)؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ.
(وَالِاخْتِيَارُ) أَنْ يَصُومَهَا (إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ صَامَ أَيَّامَ مِنًى) وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يَصُمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ بِصِيَامِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْحَجِّ إلَّا هَذِهِ الْأَيَّامُ فَتَعَيَّنَ فِيهَا الصَّوْمُ.
(وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) إذَا صَامَهَا أَيَّام مِنَى؛ لِأَنَّهُ صَامَهَا فِي الْحَجِّ (فَإِنْ لَمْ يَصُمْهَا) أَيْ: الثَّلَاثَةَ أَيَّامٍ (فِيهَا) أَيْ: فِي أَيَّامِ مِنًى وَلَا قَبْلَهَا (وَلَوْ لِعُذْرٍ) كَمَرَضٍ (صَامَ بَعْدَ ذَلِكَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ) كَامِلَةً اسْتِدْرَاكًا لِلْوَاجِبِ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَأْخِيرِهِ وَاجِبًا مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ عَنْ وَقْتِهِ.
(وَكَذَا إنْ أَخَّرَ الْهَدْيَ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ) فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَأْخِيرِ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ عَنْ وَقْتِهِ فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَأَنْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ (وَلَا يَجِبُ تَتَابُعٌ وَلَا تَفْرِيقٌ فِي صَوْمِ الثَّلَاثَةِ وَلَا) فِي صَوْمِ (السَّبْعَةِ وَلَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ إذَا قَضَى) الثَّلَاثَةَ أَوْ صَامَهَا أَيَّامَ مِنًى؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ وَرَدَ بِهَا مُطْلَقًا وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي جَمْعًا وَلَا تَفْرِيقًا.
(وَمَتَى وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ) لِعَجْزِهِ عَنْ الْهَدْيِ وَقْتَ وُجُوبِهِ (فَشَرَعَ فِيهِ) أَيْ: الصَّوْمِ (أَوْ لَمْ يَشْرَعْ) فِيهِ (ثُمَّ قَدِرَ عَلَى الْهَدْيِ لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ.
(وَإِنْ شَاءَ انْتَقَلَ) عَنْ الصَّوْمِ إلَى الْهَدْيِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَإِنْ صَامَ قَبْلَ الْوُجُوبِ ثُمَّ قَدِرَ عَلَى الْهَدْيِ وَقْتَ الْوُجُوبِ فَصَرَّحَ ابْنُ الزَّاغُونِيُّ: بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَإِطْلَاقُ الْأَكْثَرِينَ يُخَالِفُهُ.
وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ تَصْرِيحٌ بِهِ قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ (وَمَنْ لَزِمَهُ صَوْمُ الْمُتْعَةِ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ) كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ (لِغَيْرِ عُذْرٍ أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٍ) مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَتْ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ لِوَلِيِّهِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ بِخِلَافِ النَّذْرِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدَمُ إتْيَانِهِ بِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ بِأَنْ كَانَ لِعُذْرٍ (فَلَا) إطْعَامَ عَنْهُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ.

.النَّوْعُ (الثَّانِي) مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي (الْمُحْصَرُ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ):

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} (يَنْحَرُهُ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (مَكَانَهُ) أَيْ: الْإِحْصَارِ (كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ) مُوَضَّحًا.
(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُحْصَرُ الْهَدْيَ (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ) قِيَاسًا عَلَى هَدْيِ التَّمَتُّعِ (بِالنِّيَّةِ) أَيْ: نِيَّةِ التَّحَلُّلِ لِمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ حَلَّ) وَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ ذَلِكَ (وَلَا إطْعَامَ فِيهِ) أَيْ: فِي هَذَا النَّوْعِ وَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي بَابِهِ.
النَّوْعُ (الثَّالِثُ فِدْيَةُ الْوَطْءِ تَجِب بِهِ بَدَنَةٌ) فِي حَجٍّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ (قَارِنًا كَانَ أَوْ مُفْرِدًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا) أَيْ: الْبَدَنَةَ (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ) أَيْ: فَرَغَ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ (كَدَمِ الْمُتْعَةِ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ بِهِ) قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَوَاهُ عَنْهُمْ الْأَثْرَمُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ إجْمَاعًا فَيَكُونُ بَدَلُهُ مَقِيسًا عَلَى بَدَلِ دَمِ الْمُتْعَةِ.
(وَ) تَجِبُ (شَاةٌ إنْ كَانَ) الْوَطْءُ (فِي الْعُمْرَةِ) وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ مُسْتَوْفًى (وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُطَاوِعَةِ مِثْلُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ و(لَا) تَجِبُ فِدْيَةُ الْوَطْءِ عَلَى (الْمُكْرَهَةِ وَالنَّائِمَةِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَاطِئِ أَنْ يَفْدِيَ عَنْهَا وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ) فِي الْبَابِ قَبْلَهُ.

.(فَصْلٌ: الضَّرْبُ الثَّالِثُ) مِنْ أَضْرُبِ الْفِدْيَةِ (الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ):

لِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ كَدَمٍ وَجَبَ (لِفَوَاتِ الْحَجِّ بِعَدَمِ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ لِعُذْرِ حَصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ) حَتَّى طَلَعَ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ.
(وَلَمْ يَشْتَرِطْ: أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي) فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ (أَوْ وَجَبَ) الدَّمُ (لِتَرْكِ وَاجِبٍ كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى اللَّيْلِ) لِمَنْ وَقَفَ نَهَارًا (وَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ) كَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ لَيَالِي مِنًى أَوْ رَمْي الْجِمَارِ أَوْ طَوَافِ الْوَدَاعِ (فَيَلْزَمُهُ مِنْ الْهَدْيِ مَا تَيَسَّرَ كَدَمِ الْمُتْعَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ حُكْمِهِ وَحُكْمُ الصِّيَامِ) بَدَلُهُ يَعْنِي: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ كَدَمِ الْمُتْعَةِ فَإِنْ عَدِمَهُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الْفَوَاتِ لَا يُتَصَوَّرُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِطُلُوعِ فَجْرِهِ وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِدَمِ التَّمَتُّعِ لِتَرْكِهِ بَعْضَ مَا اقْتَضَاهُ إحْرَامُهُ فَصَارَ كَالْمُتَرَفِّهِ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ وَلَمْ يَلْحَقْ بِالْإِحْصَارِ مَعَ أَنَّهُ أَشْبَهَ بِهِ إذْ هُوَ إحْلَالٌ مِنْ إحْرَامِهِ قَبْلَ إتْمَامِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْإِحْصَارِ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ قِيَاسًا وَقِيَاسُهُ عَلَى الْأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَوْلَى عَلَى أَنَّ الْهَدْيَ هُنَا كَهَدْيِ الْإِحْصَارِ وَالصِّيَامِ مِثْلَ الصِّيَامِ عَنْ دَمِ الْإِحْصَارِ إلَّا أَنَّ التَّحَلُّلَ فِي الْإِحْصَارِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ ذَبْحِ الْهَدْيِ أَوْ الصِّيَامِ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ وَهَذَا يَجُوزُ قَبْلَ الْحِلِّ وَبَعْدَهُ.
(وَمَا وَجَبَ) مِنْ الدِّمَاءِ (لِلْمُبَاشَرَةِ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ) كَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ لِشَهْوَةٍ (فَمَا أَوْجَبَ مِنْهُ بَدَنَةً) وَهُوَ الَّذِي فِيهِ إنْزَالٌ وَكَانَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْحَجِّ (فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الْبَدَنَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ) فَتَجِبُ الْبَدَنَةُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ وَجَبَ بِسَبَبِ الْمُبَاشَرَةِ أَشْبَهَ الْوَاجِبَ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ.
(وَمَا عَدَا مَا يُوجِبُ بَدَنَةً بَلْ) أَوْجَبَ (دَمًا كَاسْتِمْتَاعٍ لَمْ يُنَزِّلْ فِيهِ) وَكَالْوَطْءِ فِي الْعُمْرَةِ وَبَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فِي الْحَجِّ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (فَإِنَّهُ يُوجِبُ شَاةً وَحُكْمُهَا حُكْمُ فِدْيَةِ الْأَذَى) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّرَفُّهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَمَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ التَّقْصِيرِ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
(وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ) فَأَمْنَى (أَوْ قَبَّلَ) فَأَمْنَى (أَوْ لَمَسَ لِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى أَوْ اسْتَمْنَى فَأَمْنَى فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) قِيَاسًا عَلَى الْوَطْءِ.
(وَإِنْ أَمْذَى بِذَلِكَ) فَعَلَيْهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ لِتَلَذُّذٍ كَاللَّمْسِ (أَوْ أَمْنَى بِنَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ ف) عَلَيْهِ (شَاةٌ) أَوْ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ كَفِدْيَةِ أَذًى؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَحْصُلُ بِهِ اللَّذَّةُ أَوْجَبَ الْإِنْزَالَ أَشْبَهَ اللَّمْسَ.
(وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ) بِالنَّظَرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ وَلَوْ كَرَّرَهُ وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِلَا إنْزَالٍ فَتَجِب بِهِ شَاةٌ كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ أَنْزَلَ عَنْ فِكْرٍ غَلَبَهُ) فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَتَكَلَّمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى تَكْرَارِ النَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ فِي اسْتِدْعَاءِ الشَّهْوَةِ وَإِفْضَائِهِ إلَى الْإِنْزَالِ.
وَيُخَالِفُهُ فِي التَّحْرِيمِ إذَا تَعَلَّقَ بِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ فِي الْكَرَاهَةِ إذَا تَعَلَّقَ بِمُبَاحَةٍ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ (أَوْ أَمْذَى بِنَظْرَةٍ بِغَيْرِ تَكْرَارٍ) لِلنَّظَرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ (أَوْ احْتَلَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ (وَخَطَأٌ كَعَمْدٍ فِي الْكُلِّ) أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ وَتَكْرَارِ النَّظَرِ وَالتَّقْبِيلِ وَاللَّمْسِ لِشَهْوَةٍ فَلَا تَخْتَلِفُ لِلْفِدْيَةِ بِالْخَطَأِ وَالْعَمْدِ فِيهِ كَالْوَطْءِ.
(وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ مَعَ شَهْوَةٍ) فَيَجِبُ عَلَيْهَا مَعَ الشَّهْوَةِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي اللَّذَّةِ فَإِنْ لَمْ تُوجَد مِنْهَا شَهْوَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا.

.فَصْلٌ: تكرير المحظورات:

(وَإِنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا مِنْ جِنْسِ غَيْرِ) قَتْلِ (صَيْدٍ مِثْلَ أَنْ حَلَقَ) ثُمَّ أَعَادَ (أَوْ قَلَّمَ) ثُمَّ أَعَادَ (أَوْ لَبِسَ) مَخِيطًا ثُمَّ أَعَادَ (أَوْ تَطَيَّبَ) ثُمَّ أَعَادَ (أَوْ وَطِئَ) ثُمَّ أَعَادَ (أَوْ) فَعَلَ (غَيْرَهَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ) كَأَنْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ (ثُمَّ أَعَادَ) ذَلِكَ (ثَانِيًا وَلَوْ غَيْرَ الْمَوْطُوءَةِ) أَوْ لَا (أَوْ) كَانَ تَكْرِيرُهُ لِلْمَحْظُورِ (بِلُبْسِ مَخِيطٍ فِي رَأْسِهِ) فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ فَإِنْ لَبِسَ قَمِيصًا وَسَرَاوِيلَ وَعِمَامَةً وَخُفَّيْنِ كَفَاهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ لُبْسٌ فَأَشْبَهَ الطِّيبَ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ (أَوْ بِدَوَاءٍ مُطَيَّبٍ) ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ: الْمَذْهَبُ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْأَصْحَاب وَبَنَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَلَى رِوَايَةٍ أَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ لَا بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَجْنَاسِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ الطِّيبُ وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ جِنْسَانِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى تَكْرَارِ الطِّيبِ فَقَطْ بِأَنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَا، ثُمَّ أَعَادَهُ بِدَوَاءٍ مُطَيَّبٍ فَهَذَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا لُبْسَ مَعَهُ وَلَا تَغْطِيَةَ رَأْسٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ غَطَّى رَأْسَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ بِدَوَاءٍ مُطَيَّبٍ فَإِنَّهُ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِ يَلْزَمُهُ فِدْيَتَانِ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ فِدْيَةٌ وَلِلطِّيبِ فِدْيَةٌ وَقَوْلُهُ (قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنْ الْأَوَّلِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَعَادَ (ف) عَلَيْهِ (كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ تَابَعَ الْفِعْلَ أَوْ فَرَّقَهُ)؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فِدْيَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي دَفْعَةٍ أَوْ دَفَعَاتٍ (فَلَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ أَوْ قَطَعَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي أَوْقَاتٍ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَزِمَهُ دَمٌ) أَوْ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَلَمْ تَلْزَمْهُ ثَانِيَةً لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ كَفَّرَ عَنْ) الْفِعْلِ (الْأَوَّلِ لَزِمَهُ عَنْ الثَّانِي كَفَّارَةٌ) ثَانِيَةٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ عَيْنِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ الْأُولَى أَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ ثُمَّ حَنِثَ وَكَفَّرَ ثُمَّ حَلَفَ وَحَنِثَ.
(وَتَتَعَدَّدُ كَفَّارَةُ الصَّيْدِ) أَيْ: جَزَاؤُهُ (بِتَعَدُّدِهِ) أَيْ: الصَّيْدِ وَلَوْ قُتِلَتْ الصُّيُودُ مَعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} وَجَزَاءُ مِثْلِ الِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مِثْلَ أَحَدِهِمَا.
(وَإِنْ فَعَلَ مَحْظُورًا مِنْ أَجْنَاسٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ) جِنْسٍ (وَاحِدٍ فِدَاءً) سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا اتَّحَدَتْ فِدْيَتُهَا أَوْ اخْتَلَفَتْ؛ لِأَنَّهَا مَحْظُورَاتٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَجْنَاسِ فَلَمْ يَتَدَاخَلْ مُوجِبُهَا كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ.
(وَإِنْ حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ) أَظْفَارَهُ (أَوْ وَطِئَ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا وَلَوْ نَائِمًا قَلَعَ شَعْرَةً أَوْ صَوَّبَ رَأْسَهُ إلَى تَنُّورٍ فَأَحْرَقَ اللَّهَبُ شَعْرَهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ إتْلَافٌ فَاسْتَوَى عَمْدُهَا وَسَهْوُهَا وَجَهْلُهَا كَإِتْلَافِ مَالِ الْآدَمِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِأَذًى بِهِ وَهُوَ مَعْذُورٌ فَكَانَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ وَدَلِيلًا عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْمَعْذُورِ بِنَوْعٍ آخَرَ كَالْمُحْتَجِمِ يَحْلِقُ مَوْضِعَ مَحَاجِمِهِ وَمَثَلُ ذَلِكَ الْمُبَاشَرَةُ دُونَ الْفَرْجِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
(وَإِنْ لَبِسَ) مَخِيطًا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا (أَوْ تَطَيَّبَ) نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا (أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا فَلَا كَفَّارَةَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَالَ أَحْمَدُ إذَا جَامَعَ أَهْلَهُ بَطَلَ حَجُّهُ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ وَالصَّيْدُ إذَا قَتَلَهُ فَقَدْ ذَهَبَ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ وَالشَّعْرُ إذَا حَلَقَهُ فَقَدْ ذَهَبَ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ فِيهَا سَوَاءٌ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ النِّسْيَانِ بَعْدَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ مِثْلَ مَا إذَا غَطَّى الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَلْقَاهُ عَنْ رَأْسِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَوْ لَبِسَ خُفًّا نَزَعَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَيُلْحَقُ بِالْحَلْقِ: التَّقْلِيمُ بِجَامِعِ الْإِتْلَافِ (وَيَلْزَمُهُ غَسْلُ الطِّيبِ وَخَلْعُ اللِّبَاسِ فِي الْحَالِ) أَيْ: بِمُجَرَّدِ زَوَالِ الْعُذْرِ مِنْ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ وَالْإِكْرَاهِ لِخَبَرِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهِ أَثَرُ خَلُوقٍ أَوْ قَالَ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي قَالَ اخْلَعْ عَنْكَ هَذِهِ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الْخَلُوقِ أَوْ قَالَ أَثَرَ الصُّفْرَةِ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكِ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْفِدْيَةِ مَعَ سُؤَالِهِ عَمَّا يَصْنَعُ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ غَيْرُ جَائِزٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ عَذَرَهُ لِجَهْلِهِ وَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهُ فِي مَعْنَاهُ.
(وَمَتَى أَخَّرَهُ) أَيْ: غَسْلَ الطِّيبِ وَخَلْعَ اللِّبَاسِ (عَنْ زَمَنِ الْإِمْكَانِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) لِاسْتِدَامَةِ الْمَحْظُورِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ (وَتَقَدَّمَ) حُكْمُ (غَسْلِ الطِّيبِ) فِي الْبَابِ قَبْلَهُ.
(وَمَنْ رَفَضَ إحْرَامَهُ لَمْ يَفْسُدْ) إحْرَامُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِالْفَسَادِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا بِرَفْضِهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ.
(وَلَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ لِرَفْضِهِ)؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ وَذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَحُكْمُ إحْرَامِهِ بَاقٍ)؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْحَجِّ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمَّا بِكَمَالِ أَفْعَالِهِ أَوْ التَّحَلُّلِ مِنْهُ عِنْدَ الْحَصْرِ أَوْ بِالْعُذْرِ إذَا شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي (فَإِنْ فَعَلَ مَحْظُورًا) بَعْدَ رَفْضِهِ إحْرَامَهُ (فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ) لِبَقَاءِ إحْرَامِهِ.
(وَمَنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ إحْرَامِهِ فِي بَدَنِهِ فَلَهُ اسْتِدَامَةُ ذَلِكَ فِي إحْرَامِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَإِنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ وَحَدِيثُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ كَانَ فِي عَامِ حُنَيْنٍ بِالْجِعْرَانَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ وَالْآثَارِ (وَتَقَدَّمَ) فِي الْبَابِ قَبْلَهُ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: الْمُحْرِمِ (لُبْسُ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ بَعْدَ إحْرَامِهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَتَقَدَّمَ) فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا حُكْمُ اسْتِدَامَةِ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ أَحْرَمَ فِيهِ.
(وَإِنْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ وَنَحْوُهُ خَلَعَهُ) بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ وَالْآثَارِ (وَلَمْ يَشُقَّهُ) وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُحْرِمِ لَا عَلَى الْمُحِلِّ لَا يُقَالُ: إنَّهُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى إنْشَاءِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِمَحْظُورَاتِهِ مُتَسَبِّبٌ إلَى مُصَاحَبَةِ اللُّبْسِ فِي الْإِحْرَامِ كَمَا لَا يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَالِف وَالنَّاذِرِ فَإِنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَحْلِفَ حَتَّى يَتْرُكَ التَّلَبُّسَ بِمَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْإِحْرَامُ وَعَلَيْهِ الْمَخِيطُ ثُمَّ يَخْلَعُهُ إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ (فَإِنْ اسْتَدَامَ لُبْسَهُ) أَيْ: الْمَخِيطَ (وَلَوْ لَحْظَةً فَوْقَ الْمُعْتَادِ مِنْ خَلْعِهِ فَدَى) لِاسْتِدَامَةِ الْمَحْظُورِ بِلَا عُذْرٍ.
(فَإِنْ لَبِسَ بَعْدَ إحْرَامِهِ ثَوْبًا كَانَ مُطَيَّبًا أَوْ انْقَطَعَ رِيحُهُ) إذَا رُشَّ فِيهِ مَاءٌ فَاحَ رِيحُهُ فَدَى (أَوْ افْتَرَشَهُ وَلَوْ تَحْتَ حَائِلٍ غَيْرِ ثِيَابِهِ لَا يَمْنَعُ رِيحُهُ وَمُبَاشَرَتِهِ إذَا رَشَّ فِيهِ مَاءً فَاحَ رِيحُهُ فَدَى)؛ لِأَنَّهُ مُطَيَّبٌ بِدَلِيلِ أَنَّ رَائِحَتَهُ تَظْهَرُ عِنْدَ رَشِّ الْمَاءِ وَالْمَاءُ لَا رَائِحَةَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الطِّيبِ الَّذِي فِيهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ ظَهَرَتْ الرَّائِحَةُ بِنَفْسِهَا فَإِنْ كَانَ الْحَائِلُ غَيْرَ ثِيَابِهِ صَفِيقًا يَمْنَعُ رِيحَهُ وَمُبَاشَرَتَهُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُسْتَعْمِلًا لَهُ.